يقول المولى تبارك وتعالى في سورة غافر 7-9: الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا, ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما, فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم* ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آباءهم وأزواجهم وذرياتهم انك أنت العزيز الحكيم* وقهم السيئات ومن تق السيئات فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم
يقول الامام ابن كثير رحمه الله عن هذه الآيات الكريمات: يخبر الله عزوجل عن الملائكة المقربين من حملة عرشه المجيد ومن حوله من الملائكة من الكروبيين بأنهم يقرنون بين تسبيح الله وتعظيمه وتمجيده وبين الاستغفار لأهل الأرض ممّن آمن بالغيب , فقيّض الله عزوجل ملائكته المقربين أن يدعوا للمؤمنين بظهر الغيب كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه ةسلم أنه قال: اذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك آمين ولك بمثله.
قال شهر بن حوشب رحمه الله أنّ حملة عرش الرحمن ثمانية, أربعة منهم يقولون: سيبحانك اللهم وبحمدك, لك الحمد على حلمك بعد علمك, وأربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك, ولهذا يقولون كلما استغفروا للمرمنين: ربنا وسعت كل شيء علما أي ربنا رحمتك تسع ذنوبهم وخطاياهم, وعلمك محيط بجميع أعمالهم وأقوالهم وحركاتهم وسكناتهم, فاصفح عن المسيئين مهم اذا تابوا, وأنابوا وأذعنوا وأقلعوا عما كانوا فيه, واتبعوا ما أمرتهم به من فعل الخير وترك المنكرات (وهذه هي شروط التوبة النصوح) , وزحزهم عن عذاب جهنم العذاب الموجع الاليم برحمتك يا ارحم الراحمين, واجمع بينهم وبين ذويهم وأهليهم كي تقرّ أعينهم والاجتماع بهم في منازل متجاورة, وقال سعيد بن جبير رحمه الله: ان المؤمن اذا دخل الجنة سأل عن أبيه وابنه وأخيه أين هم؟ فيقال: انهم لم يبلغوا طبقتك في العمل... فيقول: اني انما عملت لي ولهم, فيلحقون به في الدرجة, ثم تلا قوله تعالى: ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آباءهم وأزواجهم وذرياتهم انك أنت العزيز الحكيم.. ومعنى العزيز الحكيم : أي الذي لا يغالب ولا يمانع... وكما نلاحظ من سياق الآية الكريمة أن استغفار الملائكة للمؤمنين مشروط بتوبة هؤلاء, وهذا يؤكد لنا ويدل على أنّ الذنب لا يغفر الا بتوبة, تماما كما في قوله تعالى في سورة طه 82: واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى, وكما نرى في هذه الآية الكريمة كيف أنّ الله عزوجل قدّم التوبة على الايمان, لأنه لا يكتمل ايمان العبد الا بتوبة نصوح تطهره من الذنب, فاذا تاب آمن, واذا آمن عمل صالحا, واذا عمل صالحا يكون مهتديا, واذا كان مهتديا داوم على هذه الهداية حتى الممات كما في قوله تعالى في آية عظيمة ختم بها سورة الحجر: واعبد ربك حتى يأتيك اليقين, واليقين هنا الموت.
لأجل ذلك قد قال العلماء بأنّ استغفار المصرّ على المعصية هو استغفار الكاذبين, لماذا؟ لأنّ الاصرار على المعصية لا يجدي معه استغفار, وانما الاستغفار يجدي لمن عمل المعصية وأقلع عنها وتاب منها توبة نصوحا , يعزم من خلالها بألا يعود الى الذنب الذي تاب منه أبدا,
فأيّ بشارة أعظم وأجلّ من هذه البشائر ومن كتاب الله الكريم الذي لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه من لدن عزيز حكيم؟ استغفار حملة العرش من الملائكة المقربين يستغفرون للتوابون فقط , لأجل قال النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لاذنب له وخير الخطائين التوابون
وقهم السيئات ومن تق السيئات فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم
والسيئات هنا : هي العرض على الحساب , فالملائكة يدعون ربهم بأن يتوب على الذين تابوا ويغفر لهم ولا يحاسبهم لأنهم بالحساب يُعرضون على الله تعالى, والعرض فيه خجل فإذا عُرِض العبد المذنب على ربه يشعر بألم شديد من شدة خجله من هذا الموقف لأنّ مصير كل منا يتوقف على كلمة من الله عزوجل خذوه الى النار أو خذوه الى الجنة...
انّ الله تبارك وتعالى لم يأمر ملائكته بالاستغفار للمؤمنين التائبين الا لأنه عزوجل يريد أن يتوب علي من تاب من هذه الأمة الموحدة, وهي تشمل كل تائب الى الله تعالى من خلق آدم عليه الصلاة والسلام الى يوم القيامة, ولعلّ هذه البشارة تدفعنا للتفاؤل وإحسان الظنّ بالله تعالى لأجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يموتنّ أحدكم إلا وهو يُحسِن الظنّ بالله, ولعلّ حسن الظن هذا يجعلنا نحب الله عزوجل , وآكد دليل على صدق حبنا له تباترك وتعالى عبادته عزوجل عبادة صادقة مخلصة حتى وان لم توجد جنة أو نار, وهذا المعنى تجلى بقوله تعالى في الحديث القدسي الجليل: هب أني لم أخلق جنة ولا نارا ألا أستحق أن اعبد؟ سبحانك اللهم وبحمدك بلى...
اللهم ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم وتب علينا انك التواب الرحين, وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين, ولا تعاملنا بما نحن أهله أهل الفسوق والعصيان, وعاملنا بما أنت أهله, أنت أهل التقوى والمغفرة.
سبحانك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله ربّ العالمين
ملاحظة مهمة جدا للأخوات في الله : كل ما ورد في هذه المقالة لكنّ نصيب فيه ما عدا الصلاة في المساجد, وعلى الرغم من أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تمنعوا اماء الله مساجدكم الا أنه لم ينصح المرأة بالصلاة في المسجد ,,واعتبر صلاة المرأة في مسجدها أفضل من صلاتها حتى في مسجده صلى الله عليه وسلم.
وتابعوا معي ما أخبرت به السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها عما أحدثنه النساء قبل أربعة عشرة قرنا في المساجد, وليكن قولها رضي الله عنها عبرة لكل أخت مسلمة عسى الله أن يرحمنا جميعا برحمته, تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثته النساء لمنعهنّ من دخولها كما منعت نساء بني اسرائيل .
واذا كان هذا رأي السيدة عائشة رضي عنها قبل 1400 سنة تقريبا, فماذا لو عادت الى زماننا هذا؟ وما عساها أن تقول؟
اللهم ردنا الى ديننا ردا جميلا واستر على نساء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين, وصلى الله وسلم وبارك على من أرسله الله رحمة للعالمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
__________________