يقول المولى تبارك وتعال في سورة طه 109: يومئذ لا تنفع الشفاعة الا من أذن له الرحمن ورضي له قولا
وفي الصحيحين أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: آتي تحت العرش وأخرّ لله ساجدا, ويفتح عليّ بمحامد لا أحصيها الآن, فيدعني ماشاء الله أن يدعني, ثم يقول: يا محمد! ارفع رأسك وقل يسمع, واشفع تشفع, قال: فيحدّ لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أعود, فذكر النبي صبى الله عليه وسلم ذلك أربع مرات
إذا كان يوم القيامة ذلت الرقاب كلها إلى الله عز وجل وخاب وخسر كل ظالم, وربح ونجا كل تقي عامل للصالحات, وفاز بشفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم..والشفاعة هي فقط لمن مات على التوحيد, ان شاء الله تعالى, ولا تشمل الشفاعة أحدا من الكافرين الا أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم حين يأخذ عليه الصلاة والسلام بيده ويخرجه من جهنم الى ضحضاح النار فيغلي من حرها دماغه كما ورد في الحديث, أي بالشفاعة يخفف العذاب عن أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم.
الشفاعة لغة هي السؤال في التجاوز عن الذنوب... وف الاصطلاح هي سؤال الله عزوجل الخير للناس في الآخرة، ويمكن أن نطلق عليها مجازا أنها نوع من أنواع الدعاء المستجاب.
وينبغي علينا أن نعلم شيئا مهما وهو انّ الله تبارك وتعالى خصّ نبيه صلى الله عليه وسلم بالشفاعة دون سائر خلقه, يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر... وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي... وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل... وأعطيت الشفاعة... وكل نبي بعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة.
وان كان أمر الشفاعة حقيقة لا تتغير ولا تتبدّل فهذا لا يعني أبدا أن نترك العبادة والعمل, اذ فليس هناك ما في الأمر ما يدعو الى الغرور والتهاون والتساهل في ترك أمر كلفنا به أوعبادة أمرنا بها, فالأصل هو قانون الجزاء من منطلق قوله تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره, ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره, ومن منطلق قوله تعالى: فأما من طغى* وآثر الحياة الدنيا * فانّ الجحيم هي المأوى* وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فانّ الجنة هي المأوى... ومن منطلق قوله تعالى: وأنّ ليس للانسان ما سعى* وأن سعيه سوف يرى... فمن عدل الله عزوجل أن خلقنا مخيّرين لا مسيّرين, ومن يعتقد غير ذلك فقد كفر بالقرآن الكريم الذي يبرهن لنا أن الله عزوجل خيّرنا بين الايمان والكفر وأوضح لنا طريق الخير وطريق الشر وترك لنا الخيار كما في قوله تعالى على سبيل المثال لا الحصر: وهديناه النجدين... والنجدين هناا هما طريق الخير وطريق الشر, أي بيّنا له طريق الخير وطريق الشر وتركنا له الخيار.. وقوله تعالى: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر... وقوله تعالى: انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا... فالحمد لله أن قال: والكافرون هم الظالمون ولم يقل والظالمون هم الكافرون لهلكنا جميعا وربّ الكعبة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قوله صلى الله عليه وسلم: ما من أحد يدخله عمله الجنة.. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: ولا أنا الا أن يتغمدني الله برحمته...وهذا يعني أن العمل الصالح سببا لدخول الجنة وليس عوضا لدخولها.
وقال الامام النووي رحمه الله: انّ مذهب أهل السنة أنه لا يثبت بالعقل ثواب ولا عقاب ولا ايجاب ولا تحريم ولا غير ذلك من أنواع التكليف, والله تعالى لا يجب عليه شيء فتعالى الله عن ذلك كله, بل العالم كله ملكه, والدنيا والآخرة في سلطانه, فعّال لما يريد, يفعل فيهما ما يشاء, فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين وأدخلهم النار , كان ذلك منه عدلا ، واذا أكرمهم ونعمهم وأدخلهم الجنةو فهو فضل منه عزوجل ومنّة, ولو نعّم الكافرون وأدخلهم الجنة كان له ذلك, ولكنه عزوجل أخبر وخبره أنه لا يفعل هَذَا ، بل يغفر للمؤمنين ويدخلهم الجنو برحمته, ويعذب الله المنافقين ويخلدهم في النار عدلا منه عزوجل.
ومن منطلق قوله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة! من نوقش الحساب فقد عذب.. ولكنها الرحمة الالهية المدخرة لعباد الله الموحدين باذن الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا يظلم أحدا من عباده مثقال ذرة من خردل.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجلى الله عز وجل لنا يوم القيامة ضاحكا فيقول: أبشروا معشر المسلمين فإنه ليس منكم أحد إلا وقد جعلت مكانه فى النار يهوديا أو نصرانيا وقال عليه الصلاة والسلام: إذا كان يوم القيامة دفع الله الى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فداؤك من النار وروي عن أبى موسى رضي الله عنه أيضا: يتجلى الله ربنا لنا ضاحكا يوم القيامة حتى ينظروا الى وجهه فيخرون له سجدا فيقول ارفعوا رءوسكم فليس هذا يوم عبادة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى آخر حديث طويل يصف فيه القيامة والصراط: إن الله يقول للملائكة من وجدتم فى قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه من النار فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون يا ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون يا ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به فيقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون يا ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به فكان أبو سعيد يقول: إن لم تصدقونى بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما قال فيقول الله تعالى: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم فى نهر فى أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون منها كما تخرج الحبة فى حميل السيل ألا ترونها تكون مما يلى الحجر والشجر ما يكون إلى الشمس أصفر وأخضر وما يكون منها إلى الظل أبيض قالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية؟ قال: فيخرجون كاللؤلؤ فى رقابهم الخواتيم يعرفهم أهل الجنة يقولون هؤلاء عتقاء الرحمن الذين أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتم فهو لكم فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول الله تعالى: إن لكم عندى ما هو أفضل من هذا فيقولون يا ربنا أى شىء أفضل من هذا فيقول: رضائى عنكم فلا اسخط عليكم بعده أبدا.
اللهم أحينا على الاسلام وأمتنا على الايمان, وارزقنا شفاعة نبيك صلى الله عليه وسلم انك على ما تشاء قدير وبالاجابة ربنا جدير,
سبحان ربك العزة عما يصفون* وسلام على المرسلين * والحمد لله ربّ العالمين
ما أصبت به فمن الله عزوجل وحده, وما أخطأت به فمن نفسي الخاطئة ومن الشيطان