المسجد : المسجد الأموي
الدولة : سورية المدينة : دمشق
العنوان : وسط دمشق تاريخ الإنشاء : عام 705 تاريخ الإنشاء :-1هـ
صورة للمسجد الاموي بدمشق
منذ صدر الإسلام واسم دمشق يرتبط بمسجدها الأموي، وهو واحد من المقامات المهمة في العالم الإسلامي. وقد كان هذا المكان أهم معمار رائع في المدينة، ورمزها الأكثر بروزا. لقد بني على مواقع سابقة مقدسة لفترة طويلة، وهو يمثل تاريخ البشرية، وتداخلت في جدرانه ثلاثة أديان، وثلاث حضارات، وأربع فترات من التاريخ الإنساني. لقد حل المسجد محل كنيسة القديس يوحنا المعمدان التي قامت بدورها على موقع معبد المشتري الروماني. وقد أقيم في المكان ذاته، ومنذ عهد أسبق، نحو ألف عام قبل الميلاد، معبد لـ"حداد"، إله الرعد عند الآراميين. وقد اتفق المسلمون والمسيحيون بعد الفتح الإسلامي، نحو 635 م، على اقتسام الكنيسة فيما بينهم وأخذوا يؤدون عباداتهم جنبا إلى جنب. وقد أدى المسلمون والمسيحيون العبادة في نفس المكان لسبعين سنة. وفي عام 705، وعندما زاد عدد المصلين المسلمين، قام الخليفة الأموي الوليد بشراء المكان، مقابل بناء أربع كنائس للمسيحيين. وشرع بعدها في بناء المسجد، حيث صرف عدد كبير من الحرفيين، وبضمنهم اليونانيون، والهنود، والإيرانيون، والنصارى السوريون، سنوات طويلة ليجعلوا منه أول مسجد فاخر في العهد الإسلامي.
لقد كلف بناء المسجد عشر سنين من العمل وأحد عشر مليون دينارا حتى أصبح علامة على العظمة السياسية للإسلام ومفخرة أخلاقية. وكان تصور الحرفيين الذين زينوا المسجد أن دمشق هي جنة عدن، ولذا قاموا ببناء جداريات مطعمة بالذهب والأحجار الثمينة والزجاج الملون، وعلى شكل موضوعات تصور أحسن ما يرى في الطبيعة من جمال وما صنعه الإنسان من فن. وهذه الأنهار الواقعية والمتخيلة التي صورت، وكذلك الجسور والقصور الفاخرة تبرز من خلال غابات الأشجار الخضراء على خلفية ذهبية. ويضاف إلى الموزائيك اللماع، الرخام المتعدد الألوان والألواح الذهبية التي تجتمع لتعطي المسجد ذوقا رائعا لتصميم الألون.
وأصبح الطراز الذي استحدثه الوليد مثالا في القرون التي تلت لمعمار المساجد في العالم الإسلامي، خصوصا في شمال أفريقيا وأسبانيا العربية. وأصبحت منائره المربعة الشكل، والتي يقال إنها مأخوذة من الكنائس المسيحية السابقة عليه، علامة مميزة للمساجد الإسلامية. وما يزال هذا النوع من المنائر، حتى اليوم، موجودا في شمال وغرب أفريقيا.
ويعتقد بعض المؤرخين أن المنارة التي استحدثها الوليد قد استعملت من قبل الأوروبيين في الكنائس المسيحية وأصبحت بعد ذلك الأبراج الكنسية المربعة الشكل التي ترى في بلاد الغرب. وأما في شرق العالم الإسلامي، وبعد انقراض السلالة الأموية، فقد تغير طراز المساجد، خصوصا في الفترة العثمانية. ولكن، على أية حال، استمر المسجد الأموي في الحفاظ على طابعه المميز، خصوصا منارته المربعة وشكله الأصلي.
وقد دمرت النيران معظم المسجد في عام 1069 م، كما أن التتار أجهزوا عليه في عام 1260م. وفي بداية القرن الخامس عشر الميلادي، قام تيمورلنك بحرق داخل المسجد كاملا، وأخيرا في عام 1893، في الفترة العثمانية، أكلت النيران المسجد برمته. وفي كل مرة يدمر فيها المسجد كان يعاد بناؤه وفق المخطط الأصلي على قدر المستطاع.
المنارة
وعند الدخول إلى باحة المسجد الواسعة، متخلصا من ضوضاء السوق، يبدو وكأنك تدخل عالما آخر. وفي الداخل، واحة من البرودة والهدوء والصمت. ويحس الناس في ساحاته الرخامية الكبيرة أنهم قد تركوا مشاغلهم ومتاعبهم في الباب. والإحساس الطاغي بالهدوء في ساحاته الكبيرة الهادئة تجربة تهزك من الأعماق.
وفي طرف منه، بالقرب من المدخل الرئيسي، هناك مبنى رائع في الرحبة، وعليه قبة صغيرة مسنودة على أعمدة كورنيثية نحيفة، مع جدران موزائيكية مزخرفة. وهذا البناء الصغير الذي يعتبر واحدا من أفضل أمثلة الفنون الإسلامية، كان في يوم ما خزانة الدولة الأموية أو بيت المال.
وأما الجوانب الثلاث للساحة الرئيسية، أو الصحن، فهناك أروقة مكونة من أعمدة تتخللها جدران وتعلوها أقواس رومانية على شكل حدوة الحصان. وقد طعمت أجزاء منها بالموزائيك، وهي بقايا عهد كانت فيه جميع هذه الممرات مطعمة بالذهب. والجانب الرابع يمتد أمام الحرم، وجانب منه من الرخام الذي تعلوه جداريات جميلة، وهي تمثل أرابيسك من الموزائيك المطلي الرائع.
وحرم الصلاة طوله 135م وعرضه 37م، وهو قلب المسجد النابض، تعلوه قبة مدهشة تهيمن على ساحة المسجد. وهو عبارة عن غرفة لها ثلاثة ممرات وطبقتان من الأقواس التي تعتمد على أعمدة كورنيثية، وتقف على قاعدة. وفي جانب منها، هناك ثلاثة محاريب جميلة ومنبر رائع، وفي الجانب المقابل ضريح النبي يحيى عليه السلام ويحتوي الضريح الذي تقف فوقه قبة على رأس النبي يحيى عليه السلام والضريح يمثل أهم نقطة في المسجد بكامله. وهو يمثل رائعة من روائع الفن الإسلامي، ومقدس لدى المسيحيين والمسلمين على حد سواء، وقد كان مزارا منذ الأيام الأولى للإسلام.
وحرم الصلاة، والمحراب، والمنبر، والأقواس، والأعمدة والسجاد الفاخر الذي يسجد عليه المصلون، تتحد في انسجام وتخلق عالما من الطمأنينة. والوقع العاطفي الذي تضفيه الموجودات المحيطة بالمكان تخلق جوا يخدم أهداف العبادة والاتصال بالقوة الروحية.
والمسجد مفتوح لكل المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وهو مكان للعبادة وكذلك للراحة وللقاء. ويمكن لغير المسلمين زيارة بعض أو جميع أنحاء المسجد، ما عدى حرم الصلاة في يوم الجمعة. ويدفع الزوار مبلغا من المال عند الدخول، وينزع الجميع أحذيتهم، وتعطى النساء عباءات.
ولا يوجد شك في أن تجربة زيارة المسجد عند المسلمين وغيرهم أمر لا ينسى، فهو ينقل، كعادته، إلى ملايين الزوار عبر العصور، عظمة الإسلام ورسالته الخالدة.