يقول المولى تبارك وتعالى في مستهل سور الدخان: انا أنزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم* أمرا من عندنا انا كنا مرسلين* رحمة من ربك انه هو العزيز الحكيم
يخبر الله تبارك وتعالىأنه أنزل القرآن العظيم من اللوح المحفوظ في ليلة القدر, وفي هذه الليلة المباركة يقدر فيها أمر السنة كلها وما يكون فيها من الآجال والأرزاق.
وليلة القدر هي الليلة المباركة التي من أقامها ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وحسبت له بعلادة ألف شهر أي ما يعادل 82 سنة وقلما من العباد من يجاوز هذا العمر, وهذا يعني أنها وحدها تساوي عبادة سنوات العمر كله
يقول ابن عباس رضي الله عنهما أن القرآن الكريم أنزل دفعة واحدة من اللوح المحفوظ الى بيت العزة من السماء الدنيا, ثم نزل مفصلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.بحسب الوقائع والأحداث في ثلاث وعشرين سنة
وعن مجاهد رضي اله عنه قال أن النبي صلى الله عليه وسلم: ذكر رجلا من بني اسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر, فعجب المسلمون من ذلك فانزل الله تعالى: انا أنزلناه في ليلة القدر* وما أدراك ما ليلة القدر* ليلة القدر خير من ألف شهر* اانزل الملائكة والروح فيها من كل أمر* سلام هي حتى مطلع الفجر
وعنه رضي الله أيضا : كان من بني اسرائيل رجلا يقوم الليل حتى يصبح, ثم يجاهد العدو في النهار حتى يمسي, ففعل ذلك ألف شهر, فأنزل الله تعالى هذه السورة, واحتسب صيام تلك الليلة وقيانها خير من عمل ذلك الرجل.
وقا سفيان الثوري رحمه الله عن ليلة القدر: عملها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان المبارك: فيه ليلة خير من ألف شهر, من حرم خيرها فقد حرم
نعم ليلة القدر هي بشارة البشائر اطلاقا, حيث وبفضل الله تعالى ومنته يضمن المؤمن عبادة ألف شهر بليلة واحدة لا تتجاوز ساعاتها الثمان ساعات, هي من بعد الأفطار حتى صلاة الفجر يحصل فيها العالبد على ثواب وحسنات لا يعلم مقدارها الا مقدر المقادير سبحانه وتعالى, وقد أنعم الله الكريم المتفضل على عباده بأن تحسب عبادة هذه الليلة ب 84 سنة في كل عام لمن أطال الله في عمره وشهدها, ويضاف لرصيده من الحسنات , حسنات 84 عاماً نهارها صيام وليلها قيام وفي الحديث الشريف الصحيح: من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه, وهذا يعني أننا عندما نسمع حديثا : ليس على أهل لا اله الا الله بأس... وحديث: من قال لا اله الا الله حرمت عليه النار..وحديث: انّ أمتي هذه أمة مرحومة لا عذاب عليها في الآخرة... كل هذه الأحاديث تعطينا دفعة أمل في أن نعبد الله حق عبادته, ونخلص له في العبادة أيما اخلاص.
هذه الأحاديث العجيبة التي توقف عندها العلماء يحاولون وضع معنى لها يزيل الدهشة والاستغراب لكن بهذه البشارة بشارة ليلة القدر تُحلّ المعادلة. على أن من زادت حسناته على سيئاته فذلك الذي يدخل الجنة بغير حساب كما في قوله تبارك وتعالى في سورة فاطر 32: ثم أزرثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق في الخيرات باذن الله, ذلك هو الفضل الكبير.
انّ النبي صلى الله عليه وسلم حين ضمن الجنة لأمته ضمنها على أساس أن لا تموت على النفاق أو الاشراك, ويسأل سائل بتعجّب: فيقول : النفاق؟ ولكن النفاق هو أن نبطن الكفر ونظهر الايمان ونحن لسنا كذلك, , فنقول له: أن ما تقوله صحيحا اذا سلمنا من صفات النفاق الأخرى, فهناك 14 صفة نفاق أصغر,, وان اجتمع في قلب ابن آدم أربعة منها حولته من منافق أصغر الى منافق أكبر, لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: : أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا, ومن كان فيه واحدة منها كان فيها خصلة من النفاق حتى يدعها: اذا حدث كذب, واذا وعد أخلف, واذا أؤتمن خان, واذا خاصم فجر... وأحد هذه الخصال الأربعة لا يكاد مسلم هذه الأيام يخلو منها الا من رحم ربي... وأيضا هناك الشرك: ويقول قائل: نحن لا نعبد الأصنام, وهذا صحيح, حتى المشركون أنفسهم اليوم لم يعودوا يعبدون الأصنام كأصنام , ولكن هناك مظاهر عديدة في حياتنا تعادل عبادة الأصنام ولكن بطريق آخر,: كعبادة المال وتفضيله على الصلاة, واذا كنا نفضل أعمالنا أو أبناءنا على صلاتنا, نكون قد أشرك المال والبنون بعبادته,سبحانه وتعالى, كما في قوله تعالى في سورة المنافقون: يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله, ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون
ثم هناك الأعمال التي نعملها ولا نبتغي بها وجه الله تعالى, كأن نقول أنا ما فعلت كذا وكا الا كرمال فلان, الا عشان فلان ما يزعل, كل هذه الألفاظ فيها رياء, والرياء شرك أصغر ذكره الله تعالى في آية ختم بها سورة الكهف: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا... وقوله عزوجل في سورة الماعون: فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم * الذين هم يراؤون....والرياء هو كل عمل لا نبتغي به وجه الله تعالى..
انّ أي عمل لا يبتغى فيه وجه الله الكريم ولا يقصد فيه مرضاة الله تعالى فهو رياء. فهو باطل لا ثواب له. فهو شرك أصغر.. وأسوق لكم هذه الحادثة: جاء رجل الى الصحابي الجليل عبادة بن الصامت رضي الله عنه: فقال: أنبئني عما أسألك عنه: أرأيت رجلا يصلي يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد, ويصوم ويحب أن يحمد,, ويتصدق يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد, ويحج يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد, فقال له عبادة رضي الله عنه: ليس له شيء, انّ الله تعالى يقول في الحديث القدسي الجليل: أنا خير شريك, فمن كان له معي شريك فهو له كله لا حاجة لي فيه.
هل تعلمون أنّ جهنم أول ما تسعر وتوقد على ثلاثة أعمالهم من أجلّ الطاعات وأثوبها, ولكن لأنهم لم يبتغون وجه الله فيها فقد حبط عملهم,وهؤلاء الثلاثة هم: الشهيد والعالم والمنفق ماله..
الشهوة الخفية
وروي عن الامام أحمد رحمه الله عن شداد بن أوس رضي الله عنه أنه بكى, فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبكاني, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أتخوّف على أمتي الشرك والشهوة الخفية.. قلت يا رسول الله! أتشرك أمتك من بعدك؟ قال: نعم.. أما انهم لا يعبدون شمسا ولا قمرا ولا حجرا ولا وثنا ولكن يراؤون الناس بأعمالهم, والشهوة الخفيةأن يصبح أحدهم صائما فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه (أي لأجل هه الشهوة).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث يرويه عن الله عزوجل في الحديث القدسي الجليل: أنا خير الشركاء ’ فمن عمل عملا أشرك فيه غيري لفأنا بريء منه وهو للذي أشرك
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعرض أعمال بني آدم بين يدي الله عزوجل يوم القيامة في صحف مختمة فيقول الله: ألقوا هذا واقبلوا هذا..فتقول الملائكة: يا ربّ! والله ما رأينا منه الا خيرا..فيقول: انّ عمله كان لغير وجهي..ولا أقبل اليوم من العمل الا ما أريد به وجهي.
ومن الصلاة ما تكون نفاقا
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من أحسن الصلاة حيث يراه الناس وأساءها حيث يخلو, فتلك استهانة استعان بها على ربه عزوجل.
وكما ذكرنا بأنّ ليلة خير من ألف شهر هي ليلة العمر كله, نحصل عليها بليلة واحدة كل عام لمن أحياه الله عزوجل ووفقه لهذه العبادة. عسى أن يكون وباذن الله من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب كما في قوله تعالى في سورو الواقعة: والسابقون السابقون* أولئك المقربون* في جنات النعيم, فلنتحرّى هذه الليلة المباركة ايماناً واحتساباً ولنحُسن علاقتنا مع الله عزوجل من خلال اخلاصنا في التعامل مع الناس تعاملا نبتغي فيه وجه الله الكريم وحده لا شريك له, ولنطعم الفقراء والمساكين وذوو الحاجات لوجه الله الكريم دون أن ننتظر كلمو شكر واحدة عن صنيعنا عسى أن يتحقق فينا قوله عزوجل في سورة الانسان: انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا* انا نحاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا* فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا,* وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا* الىآخر النعم الالهية والثواب الجزيل التي يمنحها الله عزوجل لمن يكون عمله خالصا لوجه الله الكريم.
.وهذه دعوة أدعو بها نفسي الخاطئة أولا بأن نعقد الصلح مع الله تعالى التواب الكريم, الغفور الرحيم, قابل التوب غافر الذنب وقابل التوب , القائل في سورة الزمر 53: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله انّ الله يغفر الذنوب جميعا ..وفي سورة التحريم: يا أيها الذين آمنوا توبوا الى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه , نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا, انك على كل شيء قدير. وفي سورة غافر 40: ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب.. والقائل في سورة طه: واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى... وفي سورة الأعراف 156: ورحمتي وسعت كل شيء, فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون... وكما نلاحظ في هذه الآيات الكريمات وفي غيرها مبشرات رحمة الله عزوجل لأهل التوحيد ومغفرته لذنوبهم وتوبته عزوجل عليهم, كلها تبعث في النفس الأمن والأمان والطمأنينة, وما علينا فقط الا أن نعقد الصلح مع الله تبارك وتعالى ونخلص له العمل, وأن نكثر من الاستغفار من كل الذنوب حتى نكون ممن يصافحهم جبريل عليه الصلاة والسلام في هذه الليلة المباركة التي تعادل عمر الانسان كله 84 عاما, , ومن علامات مصافحة جبريل عليه الصلاة والسلام أننا تشعر برقّة وقرب دمعة وخشوع.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل جميع لياينا وأيامنا ليالي طاعة وقرب من الله تعالى, وان يجنبنا الزلل ويجعلنا من مقيمي هذه الليلة وغيرها من ليالي الله تبارك وتعالى, ابتغاء لوجهه الكريم, وأن يرزقنا صحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم.
وختاما نصلي ونسلم ونبارك على هذا النبي الصادق الوعد الأمين الذي نشهد والله أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة وكشف الغمة حتى تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا ضال ولا يحيد عنها الا هالك, اللهم صلي وسلم وبارك على هذا النبي الكريم وعلى آله وأزواجه أمهات المؤمنين الطاهرات المطهرات, وصحبه أجمعين وعلى من اهتدى بهديه واستنّ بسنته الى يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين